اجازة عرس
هبّت رياح السموم في تمّوز بحرارتها التي تحرق الافئدة وتغبر الوجوه من شدّ ما تحمله من أتربه.. كان البطل منتظر سلمان قد اتصل بوالدته منذ الصباح وقال لها لقد اكملت اجازة العرس وسيكون زواجي يوم الخميس.
لقد انتمى منتظر سلمان إلى الحشد الشعبي منذ ثلاث سنوات وكان عمره ستة عشر عاماً في أوّل أيام صدور فتوى الدفاع عن الوطن والمقدسات من المرجعيّة العليا.
بعد مشاركات عديدة لمنتظر في جبهات القتال واحراز الانتصارات الكبيرة مع ابطال الحشد الشعبي على الدواعش ورجوعه سالماً إلى أهله جلست معه أمّه ذات يوم وقالت له: بُني لقد أصبح عمرك تسعة عشر عاماً وأريد أن افرح بكم أنت وأخوك الأكبر فماذا تقول؟
ردّ عليها منتظر: إذا كان زواجي يفرحك فلنبحث عن عروس.
خطبت له والدته عروساً ولمّا ذهب الى رؤيتها اقتنع بالأمر، ثم خطبت لأخيه الاكبر.
كان اخوه يعمل حمّالاً في النجف الأشرف ومورده المالي بسيط جداً؛ فقال له منتظر: لا تبالي بتكلفة الزواج فانا سأتكفّل بالأمر، لقد استقرّت معاشات الحشد الشعبي واختلفت كثيراً عن السابق والآن رزقنا الله الكفاف.
انشغلت العائلة بتجهيز الزفاف وكان منتظر يعطي المال لوالدته لتجهّز زواج الأخوين معاً؛ فاشترت كلّ ما يلزم من اثاث وفراش وغير ذلك ولم يبقَ غير تحديد موعد الزفاف.
قبل أن يلتحق منتظر زار خاله المهوال وقال له: هل اعددت الاهازيج التي ستطلقها في عرسي؟
فقال الخال: ومتى سيكون؟
قال: في يوم الخميس السابع والعشرين من تموز بعد عودتي إن شاء الله.
رد الخال: إن شاء الله.
ودّع خاله وخرج من الدار ثم عاد اليه وقال: خالي أنا لا أرى عرسي في يوم الخميس، بل أنّي أشعر بأنّكم ستطلقون الاهازيج خلف جنازتي عندما آتيكم شهيداً!
في صبيحة يوم الاحد الثالث والعشرين من تموز لعام الفين وسبعة عشر ذهب منتظر إلى آمر قطعات الحشد الشعبي المرابطة في أرض المعركة وقدّم طلب اجازة زواج؛ فبادر الآمر بابتسامة بعدما قرأ الطلب وقال له: وأخيراً قررت أن تدخل القفص الذهبي، فالف مبارك وهذه اجازة لمدّة خمسة عشر يوماً تبدأ من يوم غد.
شكره منتظر وخرج، وعند خروجه سأل أحد ضبّاط الحشد الشعبي قائلاً: لماذا لم تبدأ الاجازة من هذا اليوم؟
فقال الضابط: اليوم ليس عندنا نزول، وسيكون موعد تبديل الوجبة يوم غد، ونحن نخشى عليكم من العدو فلن نسمح بنزول أيّ مقاتل لوحده.
بعد ذلك اتصل بوالدته وأخبرها بإكمال إجراءات الاجازة وغداً سيكون عندهم؛ ففرحت والدته كثيراً بهذا الخبر.
وفي ذلك اليوم تعرض قاطع الحشد الشعبي لهجوم من قبل العدو؛ فبادر الابطال إلى الساتر لصدّه.
عندها قام منتظر سلمان وارتدى درعه وحمل سلاحه ثم قال لأحد اصحابه: خذ هاتفي النقال وصوّر لي مقطع فيديو أريد أن ابعث رسالة إلى أمّي.
فصوّره صديقه وهو يقول باللهجة العراقيّة: ((يمّه إذا جتي جنازتي هوسي عليها وكولي عفيه ابني البطل سواها هاي الرادها وهاي التمناها)).
ثم قام بنشر التصوير على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وانطلق نحو الساتر.
بعد اشتباك عنيف تمكن رجال الحشد الشعبي من صدّ الهجوم على الرغم من سقوط عدد من الابطال بين شهيدٍ وجريحٍ، وكان في ضمن الشهداء البطل منتظر سلمان إذ مضى في سبيل الخلود دفاعاً عن الوطن والمقدسات.
عند تشييع جنازته كانت أمّه تسير خلفها وكأنّها في زفاف ولدها، وقد وضعت فراش العرس على التابوت، وكان خاله يطلق الاهازيج خلف الجنازة في تشييع مهيب شارك فيه المئات من أبناء المنطقة، وقد ابكت الرجال حالة أمّه الثكلى وهي تنثر الحلوى (الجكليت) على جنازة ولدها وتذرف الدموع.