فداءٌ للحسين (عليه السلام)

{ المصدر : الموسوعة التوثيقية الكبرى لفتوى الدفاع عن عراق المقدسات }

الحسين (عليه السلام)، الاسم الأبرز والأجمل في سماء الشهادة، القتيل الذي أبكى قاتليه، جرح السماوات والأرض في كل زمان. مسافة زمنية كبيرة بين الحسين (عليه السلام) ومقاتل في الحشد الشعبي يدعى (إبراهيم جون غدير الحجاج)، إذ كان الأخير يرى الحسين (عليه السلام) في كل شيء، كأن الحسين واقف بكل شموخه يحدِّثه عن الشهادة.

إبراهيم الذي يعمل في طبابة الحشد تعلَّم كثيرا أن لا تثبط همته ولا يتكاسل في أي أمر يعهد إليه، ما جعله منفذا لكثير من الحالات المرضية التي لا يستدعي وضع أصحابها نقلهم للمستشفى، إبراهيم كان يجيب دائما من يسأله عن كيفية تعلُّمه للطبابة والتداوي السريع، بأنه تعلم كلَّ ذلك في أيام الانتفاضة الشعبانية ضد الدكتاتور في تسعينات القرن المنصرم، كان يحدِّث من يجالسه عن تلك الأيام، مشبها لها بما يحدث في الجبهة حاليا، وفي كلتا الحالتين يقول لهم: «كان هناك هاجس يحركنا جميعا، اسمه الحرية، ورمزه الحسين (عليه السلام)، فنحن أمة لا تعترف بالهوان مطلقا، لذلك فالدواعش لن يستطيعوا التحكم بمصيرنا».

في إحدى المرات إذ إبراهيم مشغول بتحضير بعض المستلزمات الطبية لجماعته، وإذا بأحدهم يخبره أن هناك مريضا يحتاج إلى علاجِ بسيط. رزم إبراهيم عدته وتوجه نحو المقاتل المريض، كان الطريق لا يبعد كثيرا بين مقريهما، لذلك قرر أن يذهب مشيا دون أن يستقل سيارة، في الطريق أحس ابراهيم كأن روحا بيضاء ترفرف أمامه، خالجه هذا الشعور حتى أنه تبسَّم أخيرا، ومضة كبيرة، صوت يدوي بجانبه، الأرض تقذفه بعيدا، يغمض عينيه.

كان العدو قد بدأ بقصف مواقع الحشد الشعبي، وبدأ نيرانه باتجاه مقر ابراهيم الذي كان يسير بنفس الطريق من بعيد كان أصحابه يشاهدونه وهو يطير عاليا مع عصف الانفجار، حقيبة عدته سقطت بعيدا عنه وتناثر ما بداخلها بينما ابراهيم لم يحرك ساكنا، ركض الجميع نحوه، أحدهم قرب أذنه من قلبه، صرخ بأصحابه.. ما زال حيا.. إبراهيم على قيد الحياة.. مازال فيه رمق، ساعده أصحابه في رفع جسد إبراهيم عن الأرض، كان جسده مشوها تماما، ينزف من كلِّ مكان، يداه تستندان على رفاقه، بينما تتدلى قدميه، لم يكن يشعر بشيء، السيارة تنتظرهم، وحين جاؤوا به انطلقت السيارة بأقصى سرعة ممكنة، انتبه ابراهيم مع كثرة المطبات التي كانت تتجاوزها السيارة، فتح عينيه على أصحابه الذين كانوا يرافقونه في رحلته للمستشفى، تبسَّم للمرة الأخيرة في وجوههم، حاول أن يرفع صوته، قربوا آذانهم منه، كان يردد جملة واحدة لا غير:

- فداااء للحسين.. فداااء للحسين.. فد اااء للحسين.

بعدها استلقى على ظهره تماما، لا نبض يشير إلى أنه حي، صراخ اصحابه بقربه لم يكن ليثنيه من إغفاءته الأخيرة، رحل ابراهيم الذي رأى روحه تطير بسرعة أمام ناظِرَيه.