نقطة العش

{ المصدر : الموسوعة التوثيقية الكبرى لفتوى الدفاع عن عراق المقدسات }

في صباحٍ شتائي بارد ادينا صلاة الفجر وعدنا إلى اماكننا وهناك من بقي مستيقظا لأداء التسبيحات والأدعية. وبينما نحن كذلك إذ سمعنا ضجّة كبيرة في المعسكر؛ فخرجنا ووجدنا المكان يكاد يموج بمن فيه وقيل لنا إن الدواعش سيطروا على جبال مكحول وهم في طريقهم إلينا.

كنّا نرابط في منطقة (الستمية) على بعد خمسة عشر كيلو متر عن جبال مكحول تقريباً، وبسبب انخفاض المنطقة وتسلط جبال مكحول عليها كنّا نشعر بالرصاص كأنه قريب منّا.

كان المقاتلون لا يعرفون ماذا يفعلون وقد اضطرب المعسكر فقمنا بمحاولة لتخفيف الأزمة واتجهنا الى باب النظام ووقفنا فيه ونحن نمسك اسلحتنا تحسّباً من دخول العدو علينا، وكنّا نشاهد المقاتلين والضباط ورجال الدين يتحركون من باب النظام وقد ملئ الشارع العام بهم؛ فانتبه أحد ضباط الجيش إلينا واستفهم منّا وعندما عرف انّنا غير مكلفين بحماية باب النظام استدعى المجموعة المكلفة بالواجب لتحلّ محلّنا.

بعد ان اطمأننا على باب النظام خرجنا مع مجموعة كبيرة من ابطال الحشد الشعبي يتقدمهم رجال الدين وهم يرتدون البزّة العسكرية ويعتمرون العمائم وقد حملوا الاسلحة واذكر منهم (الشيخ علاء عاشور الشبكي، الشيخ عبد الهادي الجابري، والسيد حسين أبو غنيمة، والشيخ حسين الكَرعاوي، والشيخ صلاح الدبّي، والشيخ أحمد الجويبراوي، والسائق علي خلف)، وغيرهم وتوجهنا نحو السيارات لدعم المقاتلين في جبال مكحول، عندها قال لنا أحد الضباط: إلى أين تذهبون فالطريق مقطوع؟ اجابه السيد عبدالرحمن الحسني: اليوم يومنا ونحن لها.

ركبنا السيارات نوع بيك اب في مجوعة كبيرة من الحشد الشعبي ورجال الدين وتعالت الصيحات (لبيكِ يا زهراء... لبيكِ يا زهراء...) وانطلقنا وعند وصولنا وجدنا المعركة محتدمة في نقطة العش اعلى نقطة في جبال مكحول، وكان القتال مستمراً على اطراف مختلفة من الجبال والرصاص يزخ من كل مكان.

كانت أحدى النقاط تابعة للحشد الشعبي من طائفة الشبك فقرر اصحابنا أن نلتحق بهم وعندما اقتربنا منها وجدناها ساقطة بيد الدواعش وبادرونا بإطلاق النار واشتبكنا هناك حتى تمكنّا من استعادتها ثم انتشرنا على بقية النقاط لتعزيز القوة ولكن هذه المرة قمنا بإجراء الاتصالات قبل أن نتحرك نحوهم كي لا نقع في فخ.

كانت الاشتباكات متداخلة بسبب وعورة المنطقة وتداخل القوات المتحاربة فيما بينها وقد نفدت الذخيرة من رجال الحشد الشعبي في بعض النقاط وكذلك نفدت ذخيرة الدواعش، وبين وعورة الجبال رأى أحد مقاتلي الحشد الشعبي من الشبك داعشياً يحمل قاذفة على كتفه؛ فاتّجه نحوه وعندما رآه الداعشي حاول الهرب؛ لعدم امتلاكه سلاحاً آخر ولم يتمكّن من اطلاق صاروخ القاذفة على هدف قريب.

وفي الوقت نفسه لم يكن مع مقاتل الحشد ذخيرة في البندقية عدا تسعة طلقات في المسدس؛ فهرول خلف الداعشي حتّى صار على بعد مسافة قريبة منه واطلق عليه ثلاث رصاصات؛ فارداه قتيلاً واستولى على سلاحه، ثم استدار به نحو جهة العدو واطلق القذيفة.

لقد زاد وصولنا من زخم المعركة فعززنا جبهة الحشد الشعبي بالرجال والسلاح وتمكنّا من كسر شوكة العدو، ومع شروق الشمس حسمنا المعركة وكان الدواعش ينهزمون أمامنا كخفافيش الظلام وقد احكمنا السيطرة على نقطة العش على الرغم من فقدان الحشد الشعبي لثلّة طيبة من الشهداء فضلا عن عدد كبير من الجرحى.