نهر جاسم آخر
تقطّعت الطرق... واشتدت عمليات القنص في منطقة (الدوّارة) التابعة لعامريّة الفلّوجة غرب العاصمة بغداد، حتّى أطلق عليها مقاتلو الحشد الشعبي اسم (نهر جاسم) لأنّ كل من يذهب إليها لا يرجع الّا جريحا أو شهيدا.
كان مقاتلو الحشد الشعبي يتنقّلون عبر المنطقة أثناء الليل فقط لشدّة خطورة الموقف، وكانت المنطقة عبارة عن أرض جرداء وفيها بعض النخيل المتناثر بشكل مبعثر.
لاحظ أحد المقاتلين وجود بيتٍ من الطين على بعد مسافة شاخصاً لوحده في المنطقة؛ فتسلل إليه عسى أن ينفعهم أو يتخذوه مأوىً يققيهم من حرّ الهجير.
ما أن وصل إليه ووضع قدمه على عتبة الباب انفجر البيت ووقع المقاتل شهيداً!! إذ إن الدواعش قد فخخوا المنزل من قبل.
في أثناء الليل طلـــب الشيخ (محمد العبودي) من آمر قطعـــات الحشـــد الشعبي هنـــاك أن يبعـــث معه أربعة مقاتلين ليخلو الشهيد؛ ولمّا سمع المقاتلون بذلك نهض عشرون مقاتلاً للقيام بالمهمّة، وهم من طلاب المدارس الثانويّة تطوّعوا للمشاركة مع الحشد الشعبي أثناء العطلة الصيفيّة، سوى رجلٍ واحدٍ ذي شيبة.
وصلوا إلى المكان فوجدوا اشلاء الشهيد الطاهرة متناثرة فجمعوها ووضعوها في السيارة المصفّحة لتنقلها إلى المقرّ ثم رجعوا سيراً على الاقدام كما جاءوا.
في طريق العودة وبينما هم يسيرون في تلك الأرض الجرداء تحت جنح الظلام احسّ بهم العدو وقام بأطلاق النار عليهم بكثافة؛ فصاح الشيخ العبودي: تفرّقوا وحاولوا صدّ الهجوم.
اتجه المقاتلون نحو النخلات المتناثرة وبدأوا بإطلاق النار، وذهب الشيخ مع الرجل مسن إلى الجهة المقابلة، وبسبب ظلام الليل واطلاق النار الكثيف فضلا عن حزازة الارض في ذلك المكان وقع الرجل المسن على وجهه؛ فظنّ المقاتلون انّه الشيخ العبودي ونادوا إلى المقر عبر الجهاز اللاسلكي: لقد استشهد الشيخ العبودي.
عندما سمع رامي الاحاديّة الذي في المقر باستشهاد الشيخ قام بإطلاق الرصاص بشكل عشوائي على الدواعش ليدرك الثأر.
بعدها انسحبوا من المكان بقتال تراجعي؛ فصاح الشيخ خلفهم لكنّهم لم ينتبهوا له بسبب اصوات البنادق وبعد المسافة. سلك الشيخ العبودي وذلك الرجل المسن طريقاً اخراً مختصراً ووصلا إلى المقر قبلهم، وفي تلك اللحظة جاء النداء من الشيخ رحيم يبلغ بتعرض الساتر الذي يرابط فيه إلى هجوم من قبل العدو؛ فشكّلوا قوة لمساندته وذهب الشيخ العبودي معهم.
بعد اقلّ من ساعة وصل المقاتلون الذين كانوا في مهمّة اخلاء الشهيد وكانوا متأثرين جداً فقالوا للآمر: لقد تعرض لنا العدو في طريق العودة وسقط الشيخ العبودي شهيداً ولم نستطع اخلائه بسبب كثافة الرصاص.
فقال الآمر: لم يصب الشيخ بسوء وكان هنا قبل قليل ثم ذهب مع مجموعة الاسناد إلى ساتر الشيخ رحيم وسيعود إليكم سالماً؛ فأصوات الرصاص هدأت هناك ولم يبلّغوا عن ايّة خسائر.