من عزّ الرفاه إلى عزّ الشهادة

{ المصدر : الموسوعة التوثيقية الكبرى لفتوى الدفاع عن عراق المقدسات }

بين متعة السياحة والسفر التي توفّرها له وظيفته والربح الوفير الذي يجنيه من عمله ومشاريعه الخاصّة كان يعيش حياةً مرفّهة، وبمجرّد أن سمع بصدور الفتوى المباركة من المرجعية العليا ترك حياة البذخ والترف والرفاه وانخرط في صفوف الحشد الشعبي ليفترش الارض ويلتحف السماء دفاعاً عن الوطن والمقدسات. كانت حياة الشهيد حسين عماد سالم الحجاج مليئة بالأحداث، فحصلت ولادته في مدينة قم الايرانية عام الف وتسعمائة وثلاث وثمانون بعد أن هاجر والده الشيخ أبو ضياء الحجاج إلى ايران في ثمانينيات القرن الماضي بسبب معارضة عائلته للنظام السابق وقد اعدم أبوه الحاج سالم الحجاج - الذي عرضت عليه قيادة حزب الدعوة في العراق ورفض ذلك - مع ولده حميد سالم؛ فاضطر عماد إلى مغادرة العراق هارباً من بطش السلطة بعد ثبوت الادلة التي تؤكد انتمائه للمعارضة، وهناك عمل مع المعارضة العراقية وانتمى للحوزة الدينية في مدينة قم المقدّسة.

بعد سقوط نظام البعث في بغداد عام الفين وثلاثة عاد الشيخ أبو ضياء مع عائلته إلى العراق واستقرّوا في مسقط راسهم في محافظة البصرة وتم نقل دراسة الاولاد إلى مدارس البصرة ليكملوا دراستهم فيها؛ وبسبب اختلاف الدراسة بين العراق وإيران فضلا عن تأخر حسين قليلاً في الثانوية تم قبوله في الصف السادس العلمي بعد معادلة شهادته فواصل دراسته وقد تخرّج بمعدل عالٍ اهّله الدخول إلى كليّة الهندسة فتم قبوله؛

في جامعة البصرة كليّة الهندسة قسم هندسة النفط ولكن انشغاله بالأعمال التجارية حال بينه وبين اكمال دراسته؛ فقد اشترك مع شركة تسويق مساهمة متعددة الجنسيات وخلال عمله معها دخل معاهد ودورات باللغة الانجليزية فاصبح يتقن ثلاث لغات هي الفارسية والانجليزية فضلا عن العربية.

بعد عدّة سنوات انتقلت الشركة إلى ماليزيا فسافر (حسين) وزوجته معها لمتابعة العمل، وقد اتقن هناك اللغة الماليزية واللغة الإندونيسية، وبعد سنوات من العمل وفراق الاحبة قرر أن ينهي شراكته ويعود إلى بلده؛ فعاد إلى العراق وسكن بالقرب من منزل ابيه واعمامه في محافظة البصرة قضاء شط العرب.

بسبب اتقانه لخمس لغات وحبه للسفر قرر أن يعمل في شركات السياحة والسفر، ويستثمر امواله في مشاريع أخرى؛ فتم قبوله في شركة سما البصرة للسياحة والسفر وبعد مدّة وجيزة من عمله وتحقيقه النجاح واكتساب الخبرة بسرعة كبيرة عرض عليه منصب اداري في شركة أخرى فقبل العرض واصبح مدير مكتب (شركة بيات العراق للسياحة والسفر) في البصرة، ومن خلال موقعه في عمله الجديد سافر إلى بلدان لم يكن قد زارها من قبل؛ فعاش حياةً مرفّهة بين متعة السفر وترف الحياة ورغد العيش الذي يوفره له أكثر من مصدر للكسب.

ما أن انطلقت فتوى الدفاع الكفائي من المرجعية العليا في النجف الاشرف حتى قرر حسين أن يترك كلّ شيء ويلبي النداء للدفاع عن الوطن والمقدسات، وبسبب ابتعاده عن مظاهر السلاح خلال السنوات التي عاشها تطوّع للعمل كإعلامي مع أحدى الفصائل التابعة للحشد الشعبي وكان يرافق المقاتلين الى ساحات المعارك ويقوم بتغطية المعركة اعلامياً فضلا عن مرافقة جثث الشهداء في عودتها إلى ذويهم.

   لقد اخذه الحماس ولم يقتنع بالدور الذي يؤديه وفي تلك الأثناء كان الفصيل يعدّ لدورة لتدريب مجموعة من المقاتلين على تفكيك المتفجرات في إيران فتطوّع حسين للمشاركة فيها.

  اكمل الدورة وقد تخرّج منها بكفاءة عالية جداً؛ فمع أنّه لم يكمل كلية الهندسة إلّا أن معلوماته العلمية وشدّة ذكائه جعله يتقن التعامل مع الاجهزة الالكترونيّة وطريقة عمل المفخخات على قدر عالٍ جداً.

   بعد عودته إلى ساحات القتال تسلّم منصب مسؤول الجهد الهندسي لمكافحة المتفجرات في الفصيل الذي يقاتل معه ضمن قطعات الحشد الشعبي فباشر عمله مع مجموعته وكانوا يقضون أغلب اوقاتهم في النهار بتفكيك المتفجرات وفي الليل يفترشون الأرض وينامون في العراء على الرغم من برد الشتاء، وقد مرت عليهم ايام من الجوع ونقص الدواء إذ لم تكن الخدمات متاحة للحشد الشعبي في بداية تأسيسه وقد حققوا الانتصارات الكبيرة على الرغم من كلّ ذلك.

   كانت مهمّة الفصيل الذي يقاتل معه حسين منصبّة على تحرير قضاء المقدادية (35كم) شمال شرق بعقوبة، ويعدّ هذا القضاء ثاني اكبر قضاء في ديالى بعد مركز المدينة بعقوبة. ادرك الدواعش بانّ الحشد الشعبي سيدخل المدينة بأيّ ثمن وايقنوا بالهزيمة فعمدوا إلى زرع القضاء بكميات كبيرة جداً من العبوات الناسفة والالغام والمفخخات. فصارت مهمة الجهد الهندسي كبيرة جداً فمع الانتصارات التي يحرزها الحشد الشعبي هناك استطاع حسين برفقة اعضاء الجهد الهندسي من ابطال وتفكيك (1679) عبوة مفخخة قبل اعلان تحرير المقداديّة بالكامل.

  كان حسين - او (أبو روح الله الحجاج) كما يكنّى - يعمل بحذر شديد ودقّة عالية فإذا شكّ بأمر مريب يقوم بربطه بأسلاك طويلة ويبتعد مسافة تتجاوز العشرين متراً ليتأكد من سلامة الأمر ثم يعود لمزاولة عمله.

   قبل اعلان تحرير المقداديّة بثلاثة أيام كان حسين منهمكاً بعمله في تفكيك المتفجرات وقد تمكن من إبطال مجموعة عبوات في العراء ولأنّه لا يثق  بشيء في أرض المعركة لم يكن يلمس أيّ شيء عليها ولكن أصحابه ليسوا كلّهم على قدر عالٍ من التدقيق في الأمور الصغيرة، فبينما هو منشغل بتفكيك عبوة كبيرة جداً كانت بالقرب منه بطانيّة ملقاة على الأرض، وإذا بأحد أفراد المجموعة يقوم برفعها من المكان من دون استطلاعها

   كانت هذه البطانية فراش المنيّة إذ كانت هناك عبوة ناسفة مزروعة في الأرض ومغطاة بتلك البطانية اللعينة وقد ربط صاعق العبوة بخيط وطرفه الاخر بطرف البطانية وما أن تم سحبها انفجرت العبوة محدثةً دوياً كبيراً وتناثرت الشظايا  وغطّت المكان سحابة من الدخان والغبار.

   بعد الانفجار القوي هرع المقاتلون إلى المكان فوجدوا حسين ورفيقه قد فارقا الحياة؛ لتصعد روح أبو روح الله  ورفيقه المجاهد إلى بارئها راضية بما قسم لها دفاعاً عن الوطن والمقدسات.