أفول أول الكواكب
لقد حان وقت الرحيل.. مع هبوب رياح تشرين الصفراء، وظهور الاشجار بعد تساقط اوراقها جرداء، واختفاء النجوم خلف الغيوم السوداء، كنّا على موعد افول اوّل نجمٍ من نجوم لجنة الارشاد والتعبئة للدفاع عن عراق المقدسات.
في اخر ليلة قضاها السيد عبد الرحمن الحسني في منزله قبل التحاقه إلى جبهات القتال بقي حتى ساعات متأخرة وهو يحضّر لمجلس عزاء؛ فأفاق ابنه (جهاد الحسين) من النوم بعد منتصف الليل ولمّا وجد اباه جالساً يكتب قال له: أما زلت ساهراً يا أبي مع أنّك على موعد سفر صباح الغد؟
فردّ عليه.. نعم يا ولدي، لقد وعدت المقاتلين بإقامة مجلس عزاء للإمام زين العابدين (عليه السلام) في ارض المعركة وستكون ذكرى استشهاده في هذا الاسبوع.
في صباح اليوم التالي توجّه السيد عبد الرحمن الحسني الى ساحة القتال في مصفى بيجي شمال صلاح الدين، وفي اليوم الذي يلية أخبروهم بأنّ أحد النقاط التابعة لهم في منطقة الحراريات قد قطعت عنها الامدادات فتقدّمت مجموعة من المقاتلين لدعمهم وكان السيد عبد الرحمن الحسني في ضمنهم.
أثناء الطريق وقبل وصولهم إلى النقطة وقعوا في كمين للدواعش فانتشر المقاتلون في المكان للمقاومة وحصل اشتباك كبير اصيب خلاله السيد عبد الرحمن الحسني في بطنه أصابه بليغة، لكنّه لم يصرخ ولم يقل كلمة (آخ) بل وضع يده على الجرح ونادى (يا علي..)، وبسبب ضراوة القتال لم يستطع المقاتلون من اخلائه؛ فنادى أحدهم على القطعات الخلفيّة طالباً الدعم وأخبرهم بالإصابة.
وعند وصول قوات الدعم كان الدواعش قد انسحبوا متسللين لأنّ هدفهم في هذا المكان لم يكن لمسك الارض بل لأرباك الخصم.
بعدها حاول المقاتلون اسعاف السيد عبد الرحمن ولكن من دون جدوى؛ فقد نزف كثيراً وكان يجود بأنفاسه، وآخر ما قاله: كنت اريد اقامة مجلس عزاء للإمام زين العابدين (عليه السلام) هذه الليلة فغداً ذكرى شهادته، ثم قال باللهجة الدارجة: (فدوه لزين العابدين.. فدوه للزهراء..)، وفاضت روحه الطاهرة دفاعاً عن المقدسات لتحلّق في سماء الخلود.