السماءُ لم تتركنا محاصرين
العزيمة التي يتمتع بها المقاتلون لم تكن وليدة مصادفة غريبة مطلقا، بل كانت نتيجة مران كبير في مخاضات عسيرة وكبيرة مرَّت على المجتمع بأكمله قبل سقوط الصنم وبعده، ولأجل انقضاء ساعات العسر التي وسمت حياتنا كان علينا الاستعانة بكل الوسائل الممكنة، ومن أهمها الدعاء، ففلسفة الدعاء في مجتمعنا تختلف عن غيرها في الأرض كلها، حيث الله سبحانه أقرب ما يكون لـ(شيلات) أمهاتنا وهن يفتحنها بمواجهة السماء في أوقات المغرب وأول الصباح، يرفعن أياديهن بالدعاء من أجل سلامة أبنائهن في كل مكان.
وصلنا مع قوات الشرطة الاتحادية، وكتائب من الحشد الشعبي لمنطقة (بيجي)، كنا نرابط معهم في تلك المنطقة، وكان اتفاقنا المسبق معهم ينصُّ على أن ننعزل في نقطة محددة لوحدنا بوصفنا (مبلِّغين) بدل الانخراط معهم في نقاط مشتركة.
حينها حددت لنا نقطة معينة كانت منعزلة بشكل كبير عن القطعات العسكرية، حين هبط الظلام كان الوقت يشير إلى منتصف الليل، ونحن متجمعين في هذه النقطة فوجئنا بهجوم مباغت، كنا محاصرين من (الدواعش) من كل مكان، حينها تجهز الجميع بما يملك من سلاح للمقاومة، كانت عدَّتنا العسكرية محدودة جدا؛ لأننا لم نكن مطالبين بواجبات عسكرية، كان معنا بندقية من نوع (BKC) ومعها ما لا يزيد عن (150) طلقة فقط، وأسلحة خفيفة نوع (كلاشنكوف)، أخذ كلُّ واحد منا مكانه، وتوزعنا على الجهات الأربع للنقطة المتواجدين فيها، قاومنا بتلك اللحظة، وكلنا أمل بوصول التعزيزات العسكري، حافظنا على الذخيرة كي لا تنقطع بنا السبل ونقع أسرى بيد الدواعش، كان العدو يرمي علينا من كل جانب، رصاص يخترق كل شيء ولكنه لا يتقدم حتى يتأكد من خلونا من الذخيرة حينها يقوم بالانقضاض علينا وأسْرِنا معه كغنائم حيَّةٍ، عندها صاح أحد المشايخ وقد كان بمقربة مني، صرخ وهو غاضب جدا: هل يمكن أن أحدهم قام ببيعنا للدواعش، وأعطاهم كلَّ هذه التفاصيل الدقيقة حول موقعنا وتواجد نقطتنا في هذا المكان.. هل يعقل ذلك..!!؟؟.
تواصل دفاعنا المستميت، العدو يقترب شيئا فشيئا، حاولنا الاتصال بالنقاط العسكرية التي كانت على مسافة ليست بالقليلة منا لنشرح لهم موقفنا، ولكن كان الجميع يحفزنا على الصمود والصبر إلى أن تأتي التعزيزات، بعدها توجهنا إلى الله سبحانه، كنا نقاتل وندعو، لم ينقطع رجاءنا من الله سبحانه، حفزنا الدعاء على مواصلة القتال، كنا نثب من جانب لآخر نمنع العدو من التقدم.
أتممنا جميعا دعواتنا، في ظل هجوم الدواعش علينا ونحن غائرين جميعا بتهجد صوفي، قلوبنا كانت معلقة بالسماء، الخيط الموصل كان نداؤنا الخفي علَّ الله يلتفت نحونا هذه المرَّة، حينها كان اختبارنا عسيرا، هل ستكون يد الله فوق أيدينا فتخلصنا مما نحن فيه؟، ونحن في هذه الحالة الصعبة، لم نستسلم للدعاء فقط، بل كنا نقاوم بشدَّة، كان دعاؤنا معبَّأ ببسالةٍ غير معهودة، وبينما نحن كذلك، إذ بنا نسمع صوت طائرة بعيد، كان الصوت يقترب بسرعة، الطائرة التي لم نحدد مكانها بالضبط، كانت تفرغ حمولتها على الدواعش. شاهدنا عجلات العدو تحترق بفعل ضربات قادمة من تلك الطائرة التي تحلق فوق سمائنا، وبعد مدة وجيزة كان العدو قد تفرق بين مقتول وهارب وعجلاته معطوبة، حينها رفعنا أيدينا بالشكر والثناء.