أيزيديٌ في الحشد الشعبي
كنت حينها أعمل في مدينة زاخو، نعم أتذكر ذلك اليوم جيدا فقد كان هو الثالث من شهر آب من عام (2014م)، حينها رنَّ جرس هاتفي، وإذا بها زوجتي (سعاد) كانت تصرخ بشدة، قلت لها: ما الأمر؟، أجابتني بصوتها الفزع: أنقذنا يا بدر، لقد احتل الدواعش سنجار بأكملها، والآن نحن نسمع أصواتهم في داخل قريتنا (كوجو)، ها أنا أشاهدهم يصعدون بسرعة نحونا، لقد اقتربوا منا، أشباح تهجم علينا بأعداد كبيرة. توقف الصوت لكن الاتصال لم ينقطع، سمعتُ حينها أصواتا غريبة، كانت تتعالى وتقترب، أحدهم بصوته القبيح كان ينادي على البقية: هؤلاء كفرة، دماؤهم غير محترمة، نساؤهم حلال لنا، اعلموا إنَّ هؤلاء الأيزيديين لا حرمة لهم عندنا مطلقا فلا تبقوا لهم شيئا أبدا، بعدها سكت الهاتف النقال إلى هذه اللحظة.
من حينها انقطعت أخبار عائلتي عني، ولا أعلم ما الذي حدث لوالدي ووالدتي وزوجتي التي كانت حاملا في شهرها السابع، لم أدخر وسيلة لمعرفة مصيرهم، لكن الأبواب كانت توصد أمامي فلا أحد يعرف ما الذي جرى لهم، هل قتل والداي وزوجتي؟ هل أخذوا زوجتي سبيةً معهم كما فعلوا بنساء سنجار كلها؟، لا أعلم ما الذي حدث بالفعل.
بعد ثلاث سنوات وأنا بمعاناتي التي لا تهدأ سمعت أن مدينتي سنجار قد تحررت لذلك هرعت مسرعا للذهاب إلى هناك لعلني أجد سبيلا للوصول إلى أي خبر عن عائلتي، حينما وصلت كانت سنجار مدينة أشباح لا وجود لأي حياة فيها، سوى قطعات عسكرية موزعة بين مناطقها وجبالها العديدة، وصلت إلى بيتنا أخيرا، لكن أفراد الجهد الهندسي منعوني تماما من الدخول لأنهم اخبروني أن جميع بيوت المنطقة مفخخة بالكامل، وعليَّ أن أنتظر لكي يتم رفع تلك المتفجرات عنها، اقتربت من باب منزلنا، كنت أبكي بحرقة، قبلت عتبة الباب، وأنا أبكي تحدثت مع الباب، قلت لها: أخبريني ما الذي حل بأهلي، ماذا حصل لزوجتي؟، تكلمت مع أفراد الجهد الهندسي الذين كانوا بجانبي، قلت لهم: أريد أي شيء من بيتي؟ قطعة ملابس أو أي شيء أشم به عطر عائلتي، كنت أنشج عاليا، رأيتهم وقد تأثروا معي كثيرا، قالوا: كن حذرا فالبيت مفخخ كما قلنا لك.
تسللت إلى فناء بيتنا ببطء، لم أستطع تجاوز ذلك الحد والدخول إلى داخل المنزل، وبينما أنا أدور في الفناء، إذ لمحت (نعل) زوجتي، أخذته بسرعة، لم يتبق لي سوى هذا النعل، آآه يا إلهي أين أذهب ومن أسأل عنكم يا زوجتي؟، عدت للبكاء، جلست مقابل باب منزلي القديم، صرخت بأعلى صوتي: يا سعاد، لن أعود بنعلك مطلقا، بل سأنتقم ممن كان السبب في فراقنا وتهجيرنا، سأنتقم من هؤلاء الذين انتهكوا حرمة بيتي، حينها قررت من لحظتي تلك أن ألتحق بصفوف الحشد الشعبي كي أكمل معهم تحرير باقي مناطقنا، ولعلني أعثر على أي خبر عن عائلتي وأُساهم بتحريرها كذلك.