أخوة الدم والأرض

{ الموسوعة التوثيقية الكبرى لفتوى الدفاع عن عراق المقدسات }

عند حدود منطقة (بيجي) توقفت قافلة الدعم اللوجستي، نزلنا عند القطعات التي كانت مرابطة هناك، استقبلنا المقاتلون ببهجة كبيرة، قام الشباب بإنزال المواد الغذائية والملابس وغيرها من المعدات من سيارات القافلة وتقديمها لهذه القوات، وبعد أن استرحنا قليلا، تقدم نحونا رجل متوسط العمر يرافقه بعض المقاتلين على جانبيه، تبادلنا معه السلام، وعرفنا بنفسه قائلا: أنا أبو نبيل الجبوري، أحد شيوخ قبيلة جبور في هذه المنطقة، وأنا آمر هذا الفصيل التابع للواء صلاح الدين من الحشد العشائري، أهلا وسهلا بكم إخواننا الأحبة.

تبادلت الحديث مع الشيخ (أبو نبيل)، فقلت له:

- أنت شهم ونبيل يا شيخ لا تقبل بأي ظلم يقع عليك، ويا ليت كل شيوخ العشائر كانوا مثلك كي نكون صفا واحدا ضد عصابات الشر، حييت يا شيخنا الفاضل، فكما ترى فهذه الأرض عصية على العدو لأن فيها أمثالك وأبناء قبيلتك.

أجابني الشيخ بعد أن أكملت حديثي قائلا:

- شيخنا الجليل، قل لي كيف ستكون مجازاتنا لأبناء الجنوب؟ كيف سنوافيهم حق الدماء والتضحيات والبذل الذي يقدمونه؟ لقد أرخصتم الدماء والأبناء والأموال في سبيل تحريرنا من دنس (داعش)، نحن عاجزون كل العجز عن ردِّ الجميل.

- لا تقل هذا يا شيخ، فالأرض واحدة، والعرض واحد، والروح التي بيننا تشترك فيهما، نحن قدمنا لأرضنا وأهلنا، وهذا ما يمليه علينا الواجب في كل مكان وزمان، ولكن قل لي يا شيخ: ماذا فعلوا بكم الدواعش، وكيف كانت معاملتهم لكم؟ حدثني أرجوك.

بعد أن أحنى رأسه قليلا، عاد الشيخ (أبو نبيل) ليحدثني عما فعل (داعش) بمناطقهم، تحدث لي بحسرة وألم كبيرين قائلا: ثق يا شيخنا لم تبق لنا أية كرامة مع أولئك الهمج الرعاع، لقد استباحوا كل شيء، ونصبوا أنفسهم أولياء أمر على الجميع، لم يدعوا خطيئة إلا واقترفوها، كانت حياتنا معهم أشبه بسجن مظلم، حيث لا عمل ولا فعل إلا بعد أن نأخذ إذنهم، كان الذي لا يدخل في بيعتهم كمن حكم على نفسه بالإعدام، يستبيحون فيه كل شيء من مال وعرض وأرض، ثمَّ انفجر الشيخ بعدها باكيا بحرقة، وأكمل قائلا: لقد تركت بناتي هناك في مدينة الشرقاط وبيني وبينهن كل هذه المسافة، لا أعلم ما الذي جرى لهنَّ وماذا فعل بهنَّ الدواعش..؟!!.

حاولت مواساته، وقلت له: نحن كذلك تركنا أمهاتنا ونساءنا وجئنا هنا لنلبي نداء الوطن، أنا الذي أمامك تركت أمًّا مسنة وسبعة أفراد لا يعرفون كيف سيكون مصيري هنا، لا تحزن يا شيخ فنحن في مسار واحد، وسنحقق النصر معا إن شاء الله.