قمةٌ في بروج التضحية
عند جبال مكحول، كان الليل يستغرق الخلائق غفلة وسكونا، فيما كان المرابطون على الساتر الأمامي في حذر وترقب دائمين، عيونهم تشع ببأس مثل نمور تتوثب، تعرف إن المسخ البشري في الجانب الآخر غادرٌ ولا يؤمن له جانب، كنا ضمن قاطع المسؤولية التابع للحشد الشعبي هناك، نحن وفد (لجنة الإرشاد والتعبئة) التابعة للعتبة العلوية المقدسة، وفي غمرة الحذر والترقب الذي كنا عليه، فإذا بشرارة تنطلق في السماء قاطعة ظلام ذلك الليل، صاحبها صوت رصاصة، حينها علمنا إن العدو قام بالهجوم، فتعالت أصوات الرجال داعية للتهيؤ.
دارت معركة عنيفة تلك الليلة، كان تبادل النيران على أشده بين الطرفين، حاول العدو تغيير مسار المعركة لصالحه، فقام بإرسال سيارة مفخخة كي يكسر الطوق الذي فرضه المقاتلون عليه، ويخترق الساتر الأمامي لقطعاتنا المتجمعة هناك، وبالفعل فقد انفجرت المفخخة قريبا من ذلك الساتر مما أحدث فوضى عارمة بين صفوف المقاتلين، حينها تمكن (الدواعش) من التسلل حتى وصلوا أماكن قريبة جدا منا، وقاموا برمي القنابل اليدوية علينا، لكن المقاتلين ثبتوا في أماكنهم لم يتراجعوا حينها، فصارت مسافة تبادل النيران قريبة جدا جدا، كان مشهد صمود المقاتلين لا يوصف حينها.
على تلٍّ قريب كان المقاتل (رضا الشبكي) وأربعة من زملائه يرابطون هناك، كانوا قريبين من بعضهم. موقعهم المميز مكنهم من اصطياد أفراد العدو الواحد تلو الأخر، وبينما هم كذلك إذ تنبه لهم أحد (الدواعش) فقام برمي قنبلة يدوية عليهم، كانت المسافة بينهم لا تسمح بتغيير الموقع أو الانسحاب منه، لهذا تقدم (رضا) فأخذ القنبلة بيده كي يبعدها عن زملائه، لم يفكِّر رضا بأي شيء سوى أن نكون بأمان من هذه القنبلة، تلقفت يداه حجارة الردى، كانت لحظات قصيرة جدا وهو يرتمي نحو الموت الذي تمثَّل على شكل (رمانة) يدوية. (رضا) كان شجاعا من دون حدّ، التفت بسرعة أراد أن يرميها بعيدا، كان صاعقها مسحوبا، لذلك فات الأوان حينها، انفجرت بيده ليودع الحياة من حينها، ولكنه ضحى بنفسه دون إخوته الباقين، استمرت المعركة ووصلت تعزيزات جديدة لذلك المكان، قام المقاتلون حينها بالتحلي بأعلى درجات الصبر حتى تمكنوا من صدِّ ذلك التعرض.
بعــــد أن هـــدأت الأمــــور تدريجيا هرعنا إلى مكان سقـــوط (رضا) لنـــقف على جثته التي تحولت إلى أشلاء متناثــــرة، حينهــــا تذكــــرنا شجاعته الفائقة وهو يدفع بنفسه نحـــو الموت بعيـدا عن إخوته.