الحلم لم يكتمل
كان نهاراً كئيباً تفوح منه رائحة الدم والبارود إذ فقد (أبو منصور) مجموعةً من اصدقائه الغيارى شهداءً بيد عصابات الغدر الداعشية.. وكان (أبو منصور) يشعر بالضيق ويريد أن يدرك الثأر بأسرع وقت من زمر داعش الارهابية.. كان صوت زفراته يسمع عالياً تألماً على اخوته الشهداء من كتائب الأمام علي القتالية، فاتفق مع اخوته المجاهدين على تنظيم تسلل نحو العدو، وطلب من آمر (فوج المختار) أن يسمح له بذلك فسمح له بقيادة المجموعة، واختار (أبو منصور) وقت العصر للتسلل؛ لاحتمال كون الدواعش في الليل أكثر حذراً وحيطة.. بادر المجاهدون الى التسلل ووصلوا إلى أقرب مكان يمكنهم أن يصوّبوا منه على العدو، وكان عند المقاتل (سيد جميل) جهاز المناداة يترصد العدو من بعيد ليعطي لهم الاحداثيات وينذرهم من الخطر الناجم.
بينما هم على هذا الحال وإذا بصوت (سيد جميل) عبر جهاز المناداة: أبو منصور ارجع.. ويكرر النداء، فرمق (أبو منصور) المقاتل (باسم) وقد أشار له بيده من دون أن يتكلم (ان اثنين من الدواعش خلف الجدار)؛ فتحرك (ابو منصور)الى الفتحة التي في الجدار بعد ما ألقم سلاحه، وبمجرد ان وصل حدث انفجار هائل وسمع دوي صوت كبير، لكنّ (أبا منصور) كان يقضاً فمارس (السقطة من دون أيادي) إلّا أنه لم ينتبه الى المكان الذي وقع عليه فكان وقوعه على اسلاك شائكة، وترك الانفجار غبار كثيفا واختلط الدخان بالغبار فأحسّ (أبو منصور) بالاختناق وإن كل شيء يخنقه (فالجعبة) التي يحملها ويحمل بداخلها العتاد تخنقه، وملابسه هي الاخرى تخنقه؛ فمدّ يده تحت رأسه ليحركه قليلاً فتحرك واستنشق بعضاً من الهواء و اراد أن يتخلص من (الجعبة) فلم يستطع فأخذ يفرغها من مخازن العتاد، عندها شعر بان جسده قد نالته بعض الشظايا واحسّ بيده اليسرى تنزف دماً؛ فمدّ يده اليمنى فوجدها نابتة في الاسلاك والدم يجري منها فحاول انتزاعها ليخلصها فانتزعها وبقي شيءٌ من لحم يده وجلده في الاسلاك وهو ينادي (يا حسين.. يا زهراء..) فعرّجت به روحه إلى كربلاء وتذكر الامام الحسين (عليه السلام) عندما سقط على رمضاء كربلاء وحيداً فريداً لا ناصراً ولا معيناً.
تمنى (أبو منصور) في هذه الحالة الشهادة وأحسّ أنها في المنال، وكان يطلب من الله تعجيلها، وتمنى في تلك اللحظة أن يأتي الدواعش ليحتزّوا رأسه لكي ينال هذا الوسام العظيم، فكبّر عالياً ونادى (لبيك يا علي) لكي يغيظ الدواعش.
وفي هذه اللحظات.. لحظات انتظار الشهادة وفي جوٍ تنعدم فيه الرؤيا احسّ (أبو منصور) بيدٍ تمتد إليه من جهة صدره وتسحبه؛ فقال في نفسه انها لحظة الشهادة ولحظة الفرح الأكبر إذ اللقاء برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الاطهار (عليهم السلام) فما هي الّا لحظات واكون في الجنّة ((في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر)[1].
فما انجلت الغبرة الّا وهو في يد جماعة من إخوته المقاتلين؛ فتأسف (أبو منصور) لذلك وقال: لا حول ولا قوة إلّا بالله؛ اعتبر حضور الاخوان في هذه اللحظة قد أفسد عليه حلم الشهادة وكان ذلك بالنسبة لإخوته المقاتلين نصراً مؤزراً فهم يفدونه بأرواحهم من أجل انقاذه من الدواعش.
تنبه (أبو منصور) لأخوته وهم يحملونه، ولأنه ثقيل لا يستطيعون حمله؛ فوقع منهم مراتٍ عدة، وقد عرف منهم المقاتل (علي كامل العبادي) وكان أحدهم يقول: (مالك) احمل برفق فالأخ مصاب؛ فعرف ان أحدهم اسمه (مالك)، ونقلوه إلى السيارة ثم إلى المقر وبعدها نُقل إلى المستشفى.
بعد أن تحسّن (أبو منصور) وهو مصر ويخاطب الاخرين متى ما احسست ان البلد والمقدسات في خطر سأعود إلى جبهات القتال وإن لم تشفَ جراحاتي تماماً.