ليوثُ العرين

{ المصدر : الموسوعة التوثيقية الكبرى لفتوى الدفاع عن عراق المقدسات }

أركضْ بأقصى سرعتك، الحياة لا تنتظر، الخلود هو ما تناله في الضفة الأخرى، عجِّل خطواتك، الكلُّ يستدعيك، فأنت الملهم، الشجاع، المضحي، أنت ومجموعتك مثل زمرة ملكية، لا تتهيب مطلقا أي خطر، الفريسة أمامكم، تحاول الهروب، تستعين بحقدها الدفين، لكن لا مهرب، فأنت ومجموعتك قد أطلقتم العنان لشجاعتكم، لا شيء يقف أمامكم فأنتم تهجمون في هذه اللحظة.

كنا نرابط خلف الساتر الأمامي مع قطعات القوات العسكرية المشتركة، في أحد الأيام هبت رياح صفراء محملة بالغبار، صارت الرؤية شبه منعدمة، حينها باغتنا العدو بهجوم مفاجئ، تحركت عجلاته نحونا، حينها هرعنا لتجهيز عدتنا وأخذ مواقعنا استعدادا للمواجهة، كان معنا أربعة أخوة أشداء، حينما شن الهجوم هبوا بأجمعهم معنا كي نتقدم نحو الساتر الأمامي، أكبرهم سنا أصر على بقاء أخيهم الأصغر في مكانه وعدم التقدم معهم؛ لأن المعركة كانت خطرة وحامية جدا.

تقدمــت قطعاتنا نحو الأمــام، كنــا والعــدو علــى مقربــة من بعــض، عند وصولنــا كــانت الاشتبــــاكات علــى أشــدها، لا يسمــع هــناك ســوى أزيــز الرصــاص وهــو يختــرق الأجساد من الجانبين، تحول المكان إلى لوحة حمراء، دوي الانفجارات يسمع عن قرب كأنه بجانبنا تماما، خرست أصواتنا لتنطق مكانها الأسلحة بمختلف صنوفها، حينها أدركنا إنه هجوم شامل لا تراجع فيه من كلا الجانبين، كنا نقاتل بشراسة كما لو كنا أسودا غاضبة.

حافظنا على مواقعنا ولم نتراجع، وهو ما أجبر العدو على التقهقر قليلا إلى الوراء، كنت أشاهد الأخوة الثلاثة وهم يتراكضون بين مواقع الساتر الأمامي المختلفة، رأيت شجاعتهم النادرة، لا يخشون من المعركة ولم يتراجعوا خطوة واحدة.

للعدو حيل عسكرية عديدة، لذلك كنا مستعدين لأي مفاجأة قد تحدث، وهو ما حصل بالفعل، فقد غيرت عجلاته مسارها من جهة ثانية، تمركزوا على مقربة منا، حينها انطلقت منهم سيارة بسرعة خاطفة، كانت مفخخة، وكان القصد منها إحداث فجوة في ساترنا الأمامي كي تسهل بعدها مهمة اختراق صفوفنا، عبرت السيارة المفخخة الساتر، انفجرت قريبة منا، خلفت دمارا هائلا، كان الأبطال يتساقطون بين شهيد وجريح، حاولت بعض قطعاتنا التراجع نتيجة ما خلفه الانفجار من فوضى عارمة في المكان، كنا نعلم أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحدِّ فنحن نعرف إن العدو إذا قام بإرسال سيارة مفخخة أخرى سيقوم بعدها حتما بهجوم ساحق مستغلا فرصة الانفجار وانشغالنا بترتيب ما نتج عنه من فوضى.

حينها قمنا نحن (رجال الدين) من أماكننا واستلمنا زمام الأمور على الساتر، حاولنا أن نستنهض همم المقاتلين بحركتنا تلك، وهو ما حدث بالفعل، فبعد رؤيتنا على الساتر هبَّ بقية الشباب لأخذ مواقعهم معنا، عاد الاشتباك مرة أخرى مع العدو، وكانت المعركة هذه المرة أشدَّ من سابقتها التي انتهت قبل قليل، اندفعت عجلات العدو بكل قوتها محاولة الوصول إلى مناطقنا، لكن المقاومة كانت عنيفة جدا من قبلنا، تواصل القتال حتى تيقن العدو من شدة إصرارنا فاندحر ا من تلك المعركة.

بعد أن هدأت المعركة، قمنا بإخلاء الجرحى والشهداء، كان من بين من سقط شهيدا في تلك المعركة هم (الأخوة الثلاثة)، عدنا بهم إلى الساتر الخلفي، كان المشهد حزينا بشكل لا يوصف، حينها انطلق أخوهم الأصغر نحونا يتساءل عن مصيرهم، وضعت جثث الشهداء أمامه وكان من بينهم إخوته الذين كانوا إلى جنب بعضهم، البعض حينها توسد التراب معهم وراح يصرخ باكيا وهو يلطم وجهه، عمَّ الحزن على جميع الحاضرين، جميعهم الكل كان يبكي بحرقة، والأخ يخاطب إخوته كأنه يعاتبهم: لماذا لم تأخذوني معكم، لِمَ تركتموني وحيدا هنا.