شموخ في سماء التضحية
في الأيام الأولى لانطلاق فتوى الدفاع المقدس ضد قوى الظلام والهمجية، احتشد آلاف المتطوعين على أبواب مراكز التطوع، كانت حالة من النفير العام التي عمت أفراد المجتمع كلهم في ذلك الوقت. كان (أبو سجاد) حينها يجتمع مع عائلته الصغيرة زوجته وولده (سجاد)، وقد أبلغهم عزمه على الامتثال لأوامر المرجعية، والتطوع ضمن تشكيلات الحشد الشعبي، لم تقل زوجته شيء، لكنَّ ولده (سجاد) الشاب الذي في مقتبل العمر حينها أصرَّ على الذهاب مع والده، لكن والده رفض بشكل قاطع، قائلا له: أنت لا تزال في بداية حياتك، وليس لنا غيرك يا بني، أمك أمانة عندك اعتني بها ريثما أعود من هناك.
التحق الأب بإحدى فصائل الحشد الشعبي، وبعد ذهابه لم يستطع سجاد تمالك نفسه، ولم يوافق على البقاء في البيت، فالتحق هو الأخر بفصيل مماثل، كانت والدة (سجاد) تغطي على غيابه حينما يسألها الأب عنه، وتدبَّر سجاد حيلة أبعدت عنه أي شبهات قد يثيرها غيابه عن البيت، فكان يلتحق بعد والده بيوم وينزل للبيت في إجازته قبل والده بيوم أيضا، هكذا كانت حياة (سجاد) وهو يوافق بين التحاقه بالمتطوعين وبين عدم إثارة غضب والده.
في أحد الأيام والمعارك على أشدها في المنطقة الغربية، وتحديدا منطقة (الهياكل) تقاربت فصائل الحشد الشعبي من بعضها جدا، وهي تشن هجوما موحدا على أوكار الإرهابيين هناك، حينها كان الفصيل الذي يقاتل فيه الوالد إلى جانب الفصيل العسكري الذي يقاتل فيه إبنه، لكن أحدهما لم يكن يعلم بوجود الآخر، وبينما المعارك على أشدها إذ أرسل (الدواعش) سيارة مفخخة نحو القطعات المتواجدة هناك، كانت السيارة تسير بسرعة جنونية، وهي تتجه مباشرة نحو هدف معين، نحو الساتر الأمامي للقوات، إذ وثب أحد الشباب الذين كانوا يرابطون على الساتر، حاملا قاذفة صواريخ على كتفه، نزل من على الساتر في الجانب المواجه لتلك السيارة، وقف أمامها بطوله كاملا، وصوب نحوها مباشرة، أطلق قذيفته بدقة فانفجرت السيارة على الفور، لم يتأذ أحد في تلك اللحظة سوى هذا الشاب فقد أصابته شظايا السيارة المفخخة بشكل بالغ، هرول الجميع نحوه، بعدما رأوه يسقط، كان من ضمنهم (أبو سجاد) وهو لا يعلم أن المصاب ولده الوحيد، حاول بعضهم منعه من التقدم نحو ولده لأنهم يعلمون إنه ابنه لكنه أصر على الوصول إليه، حينما اقترب منه وإذا هو يصرخ عاليا: ولدي سجاد، احتضنه بقوة، وهو يبكي عند رأسه، خاطبه معاتبا: ألم أقل لك أن تبقى هناك عند أمك، كان الولد يهمس لوالده: لم أستطع البقاء يا أبي. لم تنفع الإسعافات الأولية التي أجريت لسجاد في تلك اللحظة، كانت إصاباته بالغة، وما هي إلا دقائق معدودات حتى فاضت روحه، حينها عاد الأب حاملا جثمان ولده إلى زوجته قائلا لها: لقد عدت بوديعتك التي أخفيتها عني.