عطاء الدم

{ المصدر : الموسوعة التوثيقية الكبرى لفتوى الدفاع عن عراق المقدسات }

خيمت أجواء سقوط الموصل وصلاح الدين بيد عصابات داعش على عموم العراق، وكان الاضطراب واضحاً على عموم مفاصل الدولة، وكانت المراهنات على بقاء العراق كدولة بعد 10/6/2014 تنشر من قبل الاعلام الدولي والعربي والمحلي.

كنت حينها متابعاً جيداً للأحداث من خلال نشرات الاخبار ووسائل التواصل الاجتماعي.

هزّ نبأ صدور فتوى الدفاع المقدّس من قبل المرجعية العليا العالم اجمع، وكان ذلك في 13/6/2014، فلبّى الموالون النداء لتبدأ مسيرة الدفاع عن عراق المقدسات.

كنت قد لبيت النداء في بداية أيام صدور الفتوى المباركة متطوعاً في سلك الشرطة الاتحاديّة.

كنّا في معسكر التدريب في محافظة البصرة وقد عانينا في بداية الامر من الارباك فعلى الرغم من الكفاءة والخبرة التي يتمتع بها الضباط والمراتب المشرفون على الدورة الّا اننا عانينا من عدم تخصيص الطعام للمتطوعين في بداية الدورة، وفي غضون ايام قليلة تم حل المسألة، فقد تبرع اصحاب المواكب الحسينية بتجهيز الطعام مجاناً للمتطوعين، وقالوا بإمكاننا تجهيزكم بكل شيء حتى بالسلاح الخفيف والعتاد، لكنّ آمر الدورة رفض فكرة التجهيز بالسلاح وقال لهم بعد ان شكر جهودهم: نحن في ضمن تشكيلات وزارة الداخلية وهي من يقع على عاتقها ذلك، ولكن قبلنا فكرة تجهيز الطعام للمتطوعين كون البلد يمر بحالة من الاضطراب وعدم الاستقرار.

بعد اكمال المعسكر التدريبي بشكل جيد أصبحنا جاهزين للدفاع ودخول الجبهات، فتم توزيعنا على الوحدات، وكان المفوّض المكلّف بإخبارنا ذا صوت جهوري وينادي بأسمائنا الواحد تلو الاخر، فهزّني سماعه وهو ينادي باسمي: المنتسب (حيدر عبيد عباس) قيادة قوات الشرطة الاتحادية، الفوج الثاني، اللواء الثالث؛ فالتحقت بجبهات القتال.

كنّا نرابط في حقول (علاّس) وكانت منطقة وعرة لكثرة الجبال والتلال فيها، بتاريخ 20/4/2015 جاء الامر بشن هجوم على قاطع العدو الداعشي لتحرير الارض من دنسه، فكان انتصاراّ باهراّ وقد تمكنّا من هزيمته وتكبيده خسائر جسيمة، فقمنا بمطاردة فلوله المنهزمة.. ونعيش لحظة الانتصار فتعرّضت العجلة التي تقلّنا إلى عبوة ناسفة غادرة ادّت الى استشهاد المنتسب (محمد هادي جبار) واصابة عددٍ من المنتسبين وأنا في ضمنهم.

بعدها نقلونا إلى مستشفى سامراء ثم إلى مدينة الطب في بغداد، بعد ذلك جاء ابن خالتي (أمجد اللامي) لينقلني إلى مسقط رأسي في محافظة البصرة قضاء المدينة.. عند وصولي إلى بيت اهلي فوجئت بأبناء عمومتي متجمهرين عند باب دارنا وقد استقبلوني بالأهازيج وهم يقولون: ان اصابتك دفاعاً عن الوطن والمقدسات وسام فخرٍ لنا، فهنيئاً لك بذلك وهنيئاّ لنا بك. بعد أربعة أشهر من العلاج تماثلت للشفاء وعدّت إلى أرض المعركة مع إخوتي المقاتلين في جبال حمرين لأكمل ما بدأت به. وما زلت مع اخوتي المقاتلين ندافع عن عراق المقدسات ولن تنثني عزيمتنا مادام فينا عرق ينبض، كما قال الشاعر:  نحن لا نُهزم      ومنّا عطاء الدم