الشهداء الاربعة...

{ المصدر : الموسوعة التوثيقية الكبرى لفتوى الدفاع عن عراق المقدسات }

أبى إلا أن يلبي دعوة المرجعية الشريفة للدفاع عن عراق المقدسات على الرغم من كبر سنه إذ تجاوز الستين عاما وهو من مواليد 1953. فكان الاكبر سنا بين أخوته...

فهم ثلاثة أخوة متدينون يؤمنون بالله ورسوله وآل بيته وباليوم الآخر.. فكان حالهم هذا مدعاة لإعتبارهم في نظام حزب البعث ورجالاته اعداءً للحزب وللثورة وخونة للوطن والشعب.. لم يثن من عزم الاخوة الثلاثة على مقاومة السلطة الغاشمة أساليب البطش والإرهاب والقتل.. في أحدى عمليات مقاومة ذلك النظام انتهت حياة الاخوين كريم ومنصور إلى الشهادة في سبيل الدين والعقيدة. وبقي اخوهم الكبير (خنصر الحسين) خنصر منخي جودة (أبو رياض) ينتظر اليوم الذي يركب فيه طريق الشهادة بلهفة... حتى جاء يوم فتوى الدفاع الكفائي فاندفع أبو رياض ليلبي نداء المرجعية الشريفة فتطوع مع أبناء محلته في صفوف الحشد الشعبي... فشارك بيقين ثابت وبروح صابرة لا تعرف الجزع في معارك اليوسفية وجرف النصر وبلد وسامراء وتكريت والثرثار والنباعي.. وكان على الرغم من كبر سنه دؤوب الحركة يقدم الخدمة والمساعدة إلى هذا وذاك بروح شجاعة ومطمئنة وبوجه بشوش... سألته ذات يوم أن يستريح فأجابني.. أن راحتي هي أن ارى المجاهدين سعداء.

في أحد ايام المعركة وردنا خبر عن إصابة أبنه الجندي ضياء بجروح خطيرة وقد قطعت يده اليمنى.. ولا ندري هل عرف أبو رياض الخبر فقررت أن اتصل به فسلمت عليه وسالته عن ولديه المجاهدين رياض وضياء فأجابني الحمد لله على كل شيء قد انعم الله على ضياء بإصابته بجروح بليغة كثيرة وبقطع يده اليمنى.. الحمد لله فأجبته سائلا الله عزَّ وجلَّ اٌن يعطيه الصبر ويمن على ولده بالشفاء فأجابني يا شيخ أي صبر وأي مصيبة.. إنما هذا فخر لي.. سأفتخر بذلك يوم القيامة أمام سيدتي ام البنين عليها السلام.. فبكيت فأستنكر عليّ ذلك وقال لي أننا مشاريع شهادة للمرجعية والدين والوطن.. أنا وأبنائي وأخوتي وأبناء عمومتي.. شاركت معهم الهجوم على منطقة النباعي فعندما تقدمنا كانت ثمة سيارة تعترض الطريق فقال بعضهم أنها سيارة مفخخة فتوقف المجاهدون حتى تقدمت عجلة سلاح 206 لمعالجتها فتم إطلاق الصواريخ عليها لمدة ساعتين فلم تنفجر... فتقدم أبو رياض نحوها وهو يحمل القاذفة وقال لأصحابه... والله إن لم اصبها بأول صاروخ فلن أحمل القاذفة على متني أبدا.. فتقدم قريباً منها وطلب مني ان اقترب منها معه.. وفعلاً سدد عليها فأصابها بأول صاروخ.. وبعدها واصلنا الهجوم بحمد الله...

ظل أبو رياض يترقب اللحظة الحاسمة بدم يفور ليحرر المكان الذي كان مقراً لفصيله والذي انتشر فيه الدواعش بعد أن تركه مع فصيله.. جاءت اللحظة في ظهر يوم الاربعاء 13-1-2016 عندما حصلت الموافقة بالتوجه إلى منطقة الثرثار فدخل أبو رياض على رأس فصيله، احد فصائل لواء المنتظر وهو أحد الالوية التابعة الى هيئة الحشد الشعبي مع فوج من الجيش العراقي.. اندفع أبو رياض إلى نفس المكان يسوقه الأيمان القوي بلزوم تحرير الارض وتسوقه ذكريات المكان بما فيها من تفصيلات الأيام التي لا يمكن أن تنسى.. اقترب من الدواعش.. واقترب وقد بدأ بقتالهم بإصرار ويقين.. وبلحظات القتال الشديد رصده أحد قناصي الدواعش فأصابه في كتفه.. فنادى عبر جهاز المناداة.. لقد اصبت في كتفي.. فتناهى

 نداؤه إلى مسمع أبنه الكبير رياض.. هرول رياض نحو ابيه فاقترب منه فلم يبق ما يفصل بينهما إلا بضعة أمتار.. كانت عينا القناص الشريرة تبحث عمن سوف يصل إلى أبي رياض.. لاحظ القناص شخصاً يهرول ويلهث نحوه فأطلق عليه النار فأصابه برجله فسالت منها الدماء ولم يسقط على الأرض.. كان همه ان يصل الى اُبيه المحتضر.. ما أن تقدم خطوة نحو أبيه حتى اصابه ثانية بكفه ويده.. كان مصراً أن يصل لأبيه.. وصل إليه وعانقه وسأله بصوت مرتجف (ها بوية شنو تحس).. فأجابه وهو يحتضر (آني زين انت شنو تحس).. بينما هما كذلك والميدان مشتعل جاءت رصاصتان على جسد رياض وهو يحنو على صدر أبيه فألحقتاه بربه شهيداً وهو مضرج بدمائه الزكية.. ولحظات معدودة أنتشر فيها الرصاص في كل الاتجاهات فكانت منها رصاصة قد استقرت في جسد أبي رياض فألحقته بولده ليلتقيا بأمامهما الحسين (عليه السلام) وهما متعانقان صدراً على صدر..  استقبل جسد الاب (14) رصاصة واستقبل جسد الابن (19) رصاصة.. مر شهر على استشهادهما وبقي ضياء مصراً على ما طمح إليه أبوه من تحرير ذلك المكان.. فهو يحسب الايام ويتأمل المشاركة في هجوم قادم على منطقة الثرثار فجاءت تلك اللحظة وشارك وهو ذو يد واحدة وذو جسم مثخنا بالجراح.. وصل المكان وهو ملئ بالاعتزاز والفخر.. يصول ويجول.. وقد انشد شعراً لأبيه:

آني ابـــــن الشهيـــد الهــوس بجفيتـــه

آني أبن اللبـــس درعه ولبـــس خاجيتته

وآنـــــي الــــذارع المــــــوت بالفيتـــــــــه

ويــــالتنشــــد ما مات خنيصـــر يالتنشد

ســـلام عليك يا أخـــي الســـلام علـــى خنيصـــر الحسين وعلى أبناءك واخوتك وابناء عمومتك يوم ولدتم ويوم استشهدتم ويوم تبعثون أحياء...