الجسد الذي لا يخذل الروح
كان يزأر مثل أسدٍ غاضب، ينفث نيران سلاحه نحو العدو، يزيح ظلام القادمين من غبار العصور المظلمة بما تبقى لديه من وميض طلقاته التي تستجيب لنداء وطنه الأجمل، كانوا يشاهدونه يتصبب عرقا، صوته ينخفض إزاء صوت بندقيته التي تطلق الزغاريد فرحا بتقدُّم أصحابه، أحدهم يناديه: «حسين.. حسين الشويلي.. أبا علي.. تعال يا رجل واسترح قليلا، ارتشف بعض المياه لعلَّها تساعدك في السيطرة على سلاحك، حسين.. أنت تنهار يا صديقي!»
لم يكن يجيب على ذلك النداء كان يواصل الرمي نحو مواقع العدو، كان يرتكز على بقايا جدار منهار، حينها أومضت الدنيا أمام عينيه، انفجار قذيفة قريبه منه جدا، شظايا تتطاير، احتمى بالأرض، تكوَّر على نفسه، انجلت غبرة الانفجار، قام واقفا، فرح بنفسه، حاول أن يستعيد توازنه، خيط حار يسيل من رأسه، وصل لعينيه، قريبا من فمه، وضع يده خلف رأسه وإذا به يتلمس جرحا عميقا، ركض اصحابه نحوه، كان الجرح غائرا، مما تسبب بنزف شديد.
في الطريق كان أصحابه متخوفين من شدَّة اصفرار وجه صديقهم، «ما الذي حلَّ بك يا حسين»، كانت شفاهه متيبسة تماما، حاولوا أن يتحدثوا معه، لكنهم تراجعوا عن هذه الفكرة في النهاية. بعد أن تمَّ إسعافه في المستشفى، استلقى حسين على سرير قريبا من ردهة الطوارئ، بعد ساعة من الوقت جاءه أحد أصحابه، قال له:
- الحمد لله على سلامتك أبا علي، جرحك غير مميت، وقد عولج تماما، الان باستطاعتك أن تتناول شيئا معينا لتستعيد نشاطك.
التفت حسين نحوه، قال له اقترب مني، همس في أذنه:
- أرجوك لا تقرب مني شيئا، لا ماء ولا طعام،
- ولكن ماذا تقول يا حسين! الأطباء نصحوني بأن أعطيك شيئا يعوض فقدانك للدماء الكثيرة التي نزفتها قبل قليل.
- أوو.. كم الساعة الآن؟
- لم يبقَ شيء عن أذان المغرب، ولكن لماذا تسأل عن الساعة؟
- إذن جهز لي فطورا بسيطا يا صاحبي، ولنفطر سويةً، هل فهمت الآن.. كنت صائما والحمد لله.