الرؤيا

{ المصدر : الموسوعة التوثيقية الكبرى لفتوى الدفاع عن عراق المقدسات }

كان صلاح سعدون الإبراهيمي يسمَّى بـ(قناص المفخخات)، شاب مقاتل، له هيبة غريبة، وصوت ندي، من الناصرية، مدينة الحناجر الرخيمة، التحق صلاح بقطعات الحشد الشعبي بعد صدور الفتوى المقدسة بوجوب مقاتلة الدواعش ودحر شرورهم عن البلاد، تراكضت وسائل الإعلام من كل جانب، محلية وعربية وغربية، يوثقون بطولة ذلك الشاب الذي يقف مثل أسد لا يتراجع أمام العربات المفخخة، وهو يصيبها بدقة هائلة، محولا إياها إلى رماد قبل وصولها لأهدافها. وصحبته في كل مرة يتعرضون فيها لخطر السيارات المفخخة القادمة بسرعة الضوء نحوهم، كانوا ينادون على صلاح لكي يتصدى لهذه المفخخات كأنه ينتفض من تحت الأرض حاملاً قاذفته المحمولة على الكتف وهو يقترب منها بسرعة ثم يستقر في مكان محدد ويوجه نيرانه نحو تلك السيارات، قاطعا بذلك اقترابها من مواقع من يستغيثون به.

في إحدى المرَّات نودي على صلاح بسرعة، المجاهدون يرصدون سيارة تنطلق نحوهم بسرعة هائلة، حمل صلاح سلاحه (RBGV) وتوجه نحو تلك المفخخة، كانت السيارة قريبة جدا منه، لم يمهلها، ولم يخل موقعه، كان يقف منتصبا بكل تركيز، السيارة تقترب وصلاح لا زال يراقبها حتى يدخلها في مجال صاروخه المدمر، ضغط على سلاحه، تناثرت السيارة أمامه، كانت الأرض مفتوحة لا ساتر يقيئه في تلك اللحظة من الشظايا، نام على وجهه، تيقن أنه قد أصيب بشظية في رقبته، هرع أصحابه نحوه، كان ينزف من رقبته، لكن إصابته لم تكن ذات أثر بالغ، نُقِل صلاح نحو المشفى، وبعد تعافيه من تلك الإصابة، اكتشف أنه قد فقد قدرته على الكلام، صوته كان قد اختفى، الشظية سببت تلفا في صندوق حنجرته، مما أدى إلى فقدانه القدرة على النطق.

لم يدع صلاح أي سبيل من الأطباء وغيرهم إلا وتوجه نحوه، في سبيل معالجة حنجرته، لكن دون جدوى، فالضرر كبير، وثمة أمر غريب يستقر في الحنجرة، لا يستطيعوا فعل شيء تجاهه. حينها قرَّر صلاح الذهاب لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، وقف على مقربة من الضريح المبارك، دموعه كانت تتساقط بحرارة كبيرة، قلبه كان يبث الشكوى والعتاب لصاحب الضريح، كان يتوسل كثيرا، ويعاتب بشدة، مع نفسه كان يتحدث مع الإمام الحسين (عليه السلام): «سيدي.. هل هذا جزائي، وأنا أرد عن الوطن ومقدساته شرور تلك المفخخات ومن يطلقها..! سيدي.. هل هي غريبة عنك أن يرد الله لي صوتي بكرامتك عنده، حتى أنطق (يا حسين) مرة أخرى..!» بكى صلاح كثيرا، ثم أدار ظهره ورجع إلى بيته.

ما أن وصل إلى البيت، حتى استلقى على فراشه، كان متعبا من سفره، أخذه النوم، وإذا به يشاهد رجلا يقدم لم يكن يعرفها، لكن هاجسا معينا ضرب مسامعه بأن القادم هو الإمام الحسين (عليه السلام)، ادخل الرجل ذو الهالة البيضاء يده في فم صلاح، كان قد استخرج شيئا ما ورماه بعيدا، ثم اختفى بعدها، قفز صلاح من نومه مرتعبا، أخذته نوبة سعال حادة، كان يسعل بشدة، يختنق مما أصابه، حتى أنه قذف ما في فمه إلى الأرض، كانت كتلة من الدم المتخثر في فمه، يظهر منها نتوء معدني، كان الجسم الغريب الذي شخصه الأطباء، شظية أخرى كانت تستقر في تجويف فمه، حينها هرع صلاح لتنظيف فمه، كان صوته قد عاد إليه بصعوبة، قصَّ منامه على الجميع، الكل كان يمسح على رقبة صلاح للتبرك بها، ويقولون: «السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين (عليه السلام)».