لا تراجع مع الحقِّ
الأرض التي تواجهك بكل صعوباتها ومفاجأتها تجعلك متيقظ دائما، هذا هو الحال هناك حيث أرض الاشتباك مع (داعش)، عليك أن لا تغفل، لا تسهو، لا تشغل نفسك إلا بالحرب، الحرب وحدها كفيلة بأن تجلب لك الراحة بعد أن تتخلص من خفافيش الظلام، حينها سيكتب لك النصر، كانت الحرب مع (داعش) تقتضي همم كل أصناف المجتمع، الجميع مسؤول ومطالب بالدفاع عن الأرض.
بعد أن أتممنا صلاة الصبح، نحن المتواجدين في منطقة العامرية، من قوات مسلحة، ومتطوعين من طلبة الحوزة العلمية وغيرهم، كان علينا في ذلك اليوم أن نتقدم صوب مقرات العدو؛ كي نباغتهم وندحرهم عن مواقعهم، كنت إلى جانب من أتذكر من أخوتي طلبة الحوزة (الشيخ تحسين، والشيخ عبد الحسين، والشيخ ماجد، والشيخ حيدر الحميداوي) كنا برفقة القطعات المتمركزة في تلك المنطقة، لا أبالي إن قلت إنَّ تواجدنا مع المقاتلين كان حافزا لهم، ودافعا للتقدُّم وهم يشاهدون عمائمنا البيض تقاتل معهم.
اندفعنا بأشد ما يمكننا، إذ كانت المعارك في ذلك الجزء من الأرض على أشدِّها، كان يقودنا شاب من الجيش العراقي برتبة ملازم، وبعد أن أعطيت له إحداثيات المكان الذي لا بدّ أن نسيطر عليه هذا اليوم، أطلق أوامره لنا بالتقدُّم، وبعد شدٍّ وجذب سيطرنا أخيرًا على المكان المحدَّد، انهزم العدو من أمامنا بفعل ضرباتنا الموجعة وهجومنا الكاسح، لم نكتفِ بمكان السيطرة هذا، إذ وبسبب شعورنا بنشوة الانتصار حاولنا التقدُّم أكثر نحو مناطق ثانية، ففي اليوم الثاني من الهجوم، قررنا الاستيلاء على الجزء الآخر من المكان الذي لا زال تحت سيطرة (الدواعش)، ولكننا فوجئنا بالفخِّ الذي نصبه لنا العدو في تلك الأثناء، إذ تركنا نأخذ مكانه دون مقاومة تذكر، وهو ما أشعرنا بريبة في الأمر، إذ أراد أن يقوم بعملية التفاف علينا، بعد أن نطمئن للمكان.
تقدمنا في المكان لتمشيطه من أيَّة مخلفات تكون قد تركت بعد هروب العدو، واجهنا بيت في تلك المنطقة، دبَّ الشكُّ في نفوسنا خوفا من أن يكون مفخَّخا، لذلك تقدَّم أصحاب الجهد الهندسي ليستطلعوا أمره، وبعد أن دخل أفراد الجهد الهندسي وكان يرافقهم عدد من المتطوعين للحماية كان من بينهم كلٌّ من (الشيخ تحسين، والشيخ عبد الحسين والشيخ ماجد) تفاجأ الجميع بوجود أحد أفراد العدو في البيت، وقد كان يحمل حزاما ناسفا، لم يستطيعوا معالجته، إذ باغتهم بسرعة وفجَّر نفسه، ومع انشغالنا بمعرفة ما حدث لأخوتنا بعد وقوع الانفجار، باغتنا العدو من الخلف، إذ نجح في تنفيذ خطة الالتفاف علينا.. كان هجوما عنيفا، لا يسمع إلا صوت الرصاص من كل جانب، شاهدت شرفة أحد البيوت التي نستتر خلفها تقع على بعض جنودنا، وكان بعض زملائي من المشايخ تحت ركام البيت الذي تمَّ تفجيره، لم نستطع التحرك نحوهم، فقد كنا مشغولين بالتصدي لهذا الهجوم المباغت علينا، لكننا تنبهنا إلى النار التي خلفها ذلك الانفجار كانت تتقدم عليهم، فهبَّ بعضنا لإنقاذهم، تمَّ سحبهم جميعا إلى مكان آمنٍ، حينها تنبَّهت إلى عدم وجود شهداء بيننا حينها فرحت كثيرا مع نفسي.
واصلنا القتال، تمركزنا بأماكن جيدة مكَّنتنا من مقاومة العدو، وبعد جولة من الاشتباكات العنيفة انتهت المعركة لصالحنا، إذ استطعنا كسر الطوق الذي كان يلفه علينا العدو، وبعد أن هدأت المعارك، ركضنا مسرعين يتفقد بعضنا بعضا، وذهبنا جميعا نحو الفريق الهندسي والجنود الذين قاموا بتغطيتهم، أعطينا العديد من الجرحى الذين تمَّ نقلهم للمستشفيات القريبة من ذلك المكان، سمعت فيما بعد أن بعضهم تماثل للشفاء وبعضهم نال وسام الشهادة، حينها استذكرت موقفهم البطولي واسترجعت شريط ما حدث معنا في ذلك اليوم، إذ تمَّ لنا النصر أخيرا.